فصل: (فرع: زكاة المبعض)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: تطوع النفقة لا يلزم زكاة الفطر]

وإن تطوع رجل على إنسان بالنفقة.. لم يلزمه زكاة فطرته.
وقال أحمد رحمة الله عليه: (تلزمه زكاة فطره).
دليلنا: أن من لا تلزمه نفقته، لا تلزمه فطرته، كما لو لم يتطوع عليه، وعكسه من يلزمه نفقته.

.[فرع: وجوب فطرة العبد والأمة]

ويجب عليه فطرة عبده وأمته المسلمين.
وقال داود: (لا يجب على السيد، بل يجب على العبد، وعلى السيد أن يتركه ليكتسب ما يؤدي في الفطرة)؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على كل حر وعبد».
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، إلا صدقة الفطر في الرقيق». فدل على وجوبها على السيد.
وروي عن أبي سعيد الخدري: أنه قال: «كنا نؤدي إذ فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في زكاة الفطر عن كل حر وعبد، صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب». فأخبر أنهم كانوا يؤدون عن العبيد، فدل على وجوبها على السيد.
وأما الجواب عن قوله: «على كل حر وعبد»: فمن قال من أصحابنا: إن زكاة العبد تجب على السيد.. قال معناه: عن كل حر وعبد، والعرب تستعمل (على) في موضع (عن).
قال الشاعر:
إذا رضيت علي بنو قشير ** لعمر الله أعجبني رضاها.

وأراد: إذا رضيت عني.
ومن قال من أصحابنا: إن الزكاة تجب على العبد، ثم يتحملها السيد.. قال: يحمل هذا على الوجوب على العبد، وأما الأداء: فعلى السيد، بدليل حديث أبي سعيد الخدري.
إذا ثبت هذا: فحكم أم الولد والمدبر والمعتق نصفه.. حكم العبد القن؛ لأنه باق على ملكه.

.[مسألة: زكاة العبيد]

قال الشافعي: (ويؤدي عن عبيده الحضور والغيب وإن لم يرج وجوعهم إذا علم حياتهم).
قال الشيخ أبو حامد: إذا غاب له عبد، فأهل شوال، وهو يعلم حياته.. وجبت عليه زكاته، سواء كان آبقا أو غير آبق، وسواء كان يرجو عودته أو لا يرجو؛ لأن الزكاة تجب بسبب الملك، والملك موجود وإن لم يكن فيه منفعة، كالعبد الزمن.
وإن لم يعلم حياته.. فظاهر ما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هاهنا: (أنه لا يجب على السيد).
وقال في موضع آخر: (يزكي عنهم وإن لم يعلم حياتهم).
فاختلف أصحابنا فيه على طريقين:
فمنهم من قال: تجب عليه، قولًا واحدا، ولم يجعل لكلام الشافعي دليل خطاب.
ومنهم من قال: فيه قولان:
أحدهما: لا يجب عليه، كما لا يجب عليه زكاة ماله الغائب الذي لا يعلم سلامته.
والثاني: يجب عليه، وهو الصحيح؛ لأن الأصل فيه الحياة، ويخالف زكاة المال، لأنها لا تجب إلا في الأموال النامية، بدليل: أنها لا تجب في البغال والحمير، وهاهنا: تجب الزكاة لأجل الملك، والملك موجود.
وهكذا ذكر الشيخ أبو حامد، وأصحابنا البغداديون.
وذكر الشيخ أبو إسحاق في "المهذب": أنه إذا أبق له عبد.. فهل تجب زكاة فطرته؟ على طريقين، ولم يفصل بين أن يعلم حياته أو لا يعلم، وهي طريقة المسعودي [في "الإبانة" ق \ 152].
فإذا قلنا: تجب زكاة عبده الغائب الذي لا يعلم حياته.. فهل يجب عليه إخراجها قبل أن يعود إليه؟ ذكر ابن الصباغ في "الشامل": أن الشيخ أبا حامد حكى عن " الإملاء " قولين:
أحدهما: يجب.
والثاني: لا يجب حتى يعود إليه كالمال المغصوب.
قال ابن الصباغ: وهذا يبعد؛ لأن إمكان الأداء شرط في ضمان زكاة المال، والمال الغائب يتعذر فيه الأداء، وزكاة الفطر تجب عما لا يؤدى منه.

.[فرع: زكاة المرهون والمغضوب]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ويؤدي عمن كان مرهونا أو مغصوبا).
وهذا كما قال: إذا كان له عبد مرهون.. فإنه يجب عليه زكاة فطره؛ لأن ملكه ثابت عليه.
وإن كان له عبد مغصوب.. فقال البغداديون من أصحابنا: يجب على السيد زكاة فطره، قولا واحدا؛ لبقاء الملك عليه.
وحكى في "الإبانة" [ق \ 152] أن من أصحابنا من قال: في زكاته قولان، كالمال المغصوب.

.[فرع: فيما لوملك العبد عبدا]

فرع: فيما لو ملك العبد عبداوإن ملك عبده عبدا، فإن قلنا: إنه يملك.. لم تجب زكاته على السيد، ولا على العبد، وإن قلنا: إن العبد لا يملك.. كانت زكاة فطرهما على السيد.

.[فرع: زكاة المملوك لاثنين أو أكثر]

وإن كان بين اثنين، أو بين جماعة عبد مملوك.. وجب زكاة فطرته على الموالي، على كل مولى بحصته.
وقال أبو حنيفة: (لا تجب زكاة العبد المشترك على واحد).
وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (يجب على كل واحد صاع).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على كل حر وعبد». ولم يفرق بين أن يكون لواحد أو لأكثر، ولأن نفقته تجب عليهم على قدر أملاكهم، فكذلك زكاة فطرته.

.[فرع: زكاة المبعض]

وإن كان نصفه حرا ونصفه عبدا.. وجبت زكاة فطرته عليه وعلى سيده.
وقال أبو حنيفة: (لا تجب عليه، ولا على سيده).
وقال مالك رحمة الله عليه: (يجب على السيد نصف فطرته، ولا شيء على العبد).
وقال عبد الملك بن الماجشون؛ يجب على السيد جميع فطرته.
دليلنا: ما ذكرناه في التي قبلها.
إذا ثبت هذا: فإن لم يكن بينه وبين السيد مهايأة.. فإن نصف كسبه له، ونصفه لسيده، وكذلك النفقة والفطرة، فإذا أهل شوال، فإن كان العبد يملك نصف صاع فاضلا عن نصف نفقته ليلة الفطر ويومه.. لزمه إخراجه، وإن لم يملك ذلك فاضلا عن نصف نفقته.. لم يجب عليه شيء، ويخرج المولى نصف صاع عنه.
وإن كان بينهما مهايأة.. فإن النفقة والكسب يدخلان فيها.
وأما زكاة الفطر: ففيها طريقان، حكاهما في "الإبانة" [ق \ 152]:
الأول: من أصحابنا من قال: فيه قولان.
والثاني: منهم من قال: لا يدخل فيها، قولا واحدا، وهي طريقة أصحابنا البغداديين؛ لأن المهايأة معاوضة كسب يوم بكسب يوم، والفطرة حق لله تعالى، فلا تصح المعاوضة عليها.
فعلى هذا: إذا أهل شوال في يوم السيد.. فعلى السيد نصف صاع فاضل عن نفقة السيد، وعن جميع نفقة العبد.
فإن كان العبد يملك نصف صاع.. لزمه إخراجه وإن لم يفضل عن نفقته؛ لأن نفقته في هذا اليوم على السيد، وإن كان يوم الفطر في حق العبد.. فعلى السيد نصف صاع فاضل عن جميع نفقة نفسه ليلة الفطر ويومه لا غير؛ لأن نفقة العبد في هذا اليوم على نفسه، وعلى العبد نصف صاع فاضل عن جميع نفقته ليلة الفطر ويومه.

.[فرع: فطرة العبد المقارض]

وتجب فطرة العبد الذي في يد العامل في القراض.
وقال أبو حنيفة: (لا تجب).
دليلنا: أن ملكه ثابت عليه، فهو كما لو كان بيده.
وإن كان بيده عبد للتجارة.. وجبت عليه زكاة فطرته، وبه قال مالك رحمة الله عليه.
وقال أبو حنيفة: (لا تجب عليه).
دليلنا: أنه شخص من أهل الفطرة، فوجبت زكاة فطرته، كما لو لم يكن للتجارة.

.[فرع: فطرة الزوجة على زوجها]

ويجب على الرجل فطرة زوجته المسلمة، وبه قال مالك رحمة الله عليه.
وقال الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه: (لا يجب على الرجل زكاة زوجته).
دليلنا: ما روي في حديث ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ممن تمونون»، ولأن كل معنى يتحمل بالملك والنسب.. جاز أن يتحمل بالزوجية، كالنفقة، أو نقول: لأنه ملك يستحق به النفقة، فجاز أن يستحق به الفطرة، كالملك، وفيه احتراز من عقد الإجارة.
وإن كانت الزوجة ممن يخدم مثلها نفسها في العادة.. لم يجب على الزوج أن يخدمها، فإن تطوع وأخدمها بخادم يملكه.. وجبت عليه زكاة فطرته؛ لأنه ملكه، وإن كان لها خادم تملكه، وتراضيا على أنه يخدمها.. لم يجب على الزوج فطرته، ولا نفقته.
وإن كانت ممن لا تخدم نفسها في العادة.. وجب على الزوج أن يخدمها بخادم، وهو بالخيار: بين أن يشتري خادما ويتركه في خدمتها، وبين أن يكتري لها خادما.
وإن كان لها خادم مملوك لها، واتفقا على أنه يخدمها.. جاز، فإن اشترى خادما، وجعله في خدمتها.. وجب عليه فطرته؛ لأنه مملوكه، وإن اكترى لها خادما.. لم يجب عليه فطرته، وإن اتفقا على أن يخدمها مملوكها.. وجب على الزوج نفقته وفطرته.
وإن نشزت الزوجة.. لم تجب عليه فطرتها، ولا فطرة خادمها؛ لأن نفقتها تسقط، فسقط ما يتبعها.

.[فرع: لا تجب الفطرة على غير مسلم]

ولا يجب عليه إلا فطرة مسلم، فإن كان لمسلم عبد كافر أو زوجة ذمية.. لم تجب عليه فطرتهما، وكذلك إذا كان له أب كافر، أو ابن كافر، بأن يسلم أحدهما، ويبقى الآخر على الكفر.
وقال أبو حنيفة: (تجب عليه فطرة عبده الكافر اعتبارا بحال المؤدي).
فأما الزوجة: فلا تجب عليه فطرتها عنده، مسلمة كانت، أو كافرة.
دليلنا: ما روي عن ابن عمر: أنه قال: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو شعير على كل ذكر وأنثى، حر وعبد من المسلمين» وقد روي في الخبر: «طهرة للصائم». والكافر لا طهرة له.
فأما إذا كان العبد مسلما والسيد كافرا، مثل: أن يكون للكافر عبد كافر، فأسلم العبد، فقبل أن يزال ملكه عنه أهل شوال.. فهل يجب على السيد فطرته؟ إن قلنا: إن زكاة الفطر تجب على السيد.. لم يجب عليه هاهنا؛ لأنه ليس من أهل الوجوب.
وإن قلنا: إن الفطرة تجب على العبد، ثم يتحملها السيد.. وجب على السيد أداؤها هاهنا؛ لأن الوجوب كان على المسلم.

.[مسألة: يؤدي الفقير بما زاد عن نفقته]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فإن لم يكن عنده بعد القوت ليومه إلا ما يؤدي عن بعضهم.. أدى عن بعضهم).
وجملة ذلك: أنه إذا فضل عن قوته وقوتهم ليلة الفطر ويومه ما يؤدي عنهم لزمه أن يؤدي عنهم على ما مضى.
وإن لم يجد إلا ما يؤدي عن بعضهم.. فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال بظاهر كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأنه إذا فضل عنده صاع.. أخرجه عمن شاء منهم؛ لأن زكاة الكل واجبة عليه. قال شيخ أبو حامد في "التعليق": وهذا ظاهر المذهب. ومنهم من قال: يخرجه عنهم جميعا. حكاه في "الإبانة" [ق \ 153]، وهو غريب.
ومن أصحابنا من قال: يجب عليه أن يخرج أولا عن نفسه، ثم هو بالخيار في حق الباقين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول».
ومن أصحابنا من قال: يجب عليه أن يبدأ بفطرة نفسه، ثم بفطرة الزوجة؛ لأنها تجب بحكم المعاوضة، ثم بابنه الصغير؛ لأن نفقته ثبتت بنص القرآن، ثم بأبيه قبل أمه؛ لأنه لو كان الابن معسرا، لكان الأب ينفق عليه قبل أمه، ثم بأمه قبل الابن الكبير؛ لأن حالها آكد، ثم بالابن الكبير المعسر.
ومن أصحابنا من قال: يقدم الابن الكبير المعسر على الأب والأم؛ لأن النص ورد بنفقة الولد.
ومن أصحابنا من قال: تقدم الأم على الأب؛ «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي قال: من أبر؟ قال: أمك، ثم عاد، فقال: أمك ثلاث مرات، ثم قال: ومن؟ قال: أباك» ومن أصحابنا من قال: هما سواء، فيخرج عن أيهما شاء.
وقال أبو علي بن أبي هريرة: تقدم فطرة الأقارب على فطرة الزوجة؛ لأنه يقدر على إزالة سبب الزوجية بالطلاق، ولا يقدر على إزالة سبب القرابة.
ومنهم من قال: تقدم فطرة الزوجة على فطرة نفسه؛ لأنها تجب بحكم المعاوضة.

.[فرع: ممن تطلب الفطرة ابتداء]

ومن وجبت فطرته على غيره.. فهل تجب على المؤدي ابتداء، أو على المؤدى عنه، ثم يتحملها المؤدي؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنها وجبت على المؤدي ابتداء؛ لأنها تجب في ماله.
والثاني: أنها وجبت على المؤدى عنه؛ لأنها تجب لتطهيره، فإن أخرجها المؤدى عنه، مثل: أن تخرج الزوجة فطرتها من مالها، أو الأب أو الابن إذا كانا فقيرين وقت الوجوب، ثم اقترضا أو اكتسبا مالًا بعد الوجوب، وأخرجاه عن زكاة فطرهما، فإن أخرجوا ذلك بإذن المؤدي.. جاز، كما لو أخرج عنه زكاة ماله بإذنه، وإن كان بغير إذنه، فإن قلنا: إنها وجبت على المؤدي ابتداء.. لم يجز، كما لو أخرج عن غيره زكاة ماله بغير إذنه. وإن قلنا: إنها وجبت على المؤدى عنه ابتداء.. جاز.

.[فرع: موسرة وزوجها معسر]

وإن كانت له زوجة موسرة، وهو معسر.. فقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أحببت لها أن تخرجها، ولا يتبين لي أن يجب عليها)، وقال في موضع آخر بعدها: (إذا زوج السيد أمته بعبد أو مكاتب أو حر معسر.. أن على السيد فطرتها).
واختلف أصحابنا فيها:
فمنهم من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الأخرى، وجعلهما على قولين:
أحدهما: لا يجب على الحرة ولا على سيد الأمة، لأن المخاطب بها هو الزوج، فإذا أعسر، وعجز عنها.. لم يجب على غيره.
والثاني: يجب عليهما؛ لأن الفطرة كانت في الأصل واجبة على الحرة، وعلى سيد الأمة، وإنما انتقلت عنهما بالزوجية، فإذا لم يكن من انتقلت إليه عنها بالزوجية من أهل التحمل.. عادت إلى من كانت عليه.
ومن أصحابنا من قال: يُبنى ذلك على: أن الفطرة وجبت ابتداء على الزوج، أو على الزوجة، ثم يتحمل عنها الزوج، فإن قلنا: إنها وجبت ابتداء على الزوج.. لم يجب على الزوجة ولا على سيد الأمة. وإن قلنا: إنها وجبت على الزوجة.. لم يتحملها الزوج، ووجبت على الزوجة وعلى سيد الأمة؛ لأن الوجوب كان عليهما، والزوج يتحمل، فإذا عجز.. بقي الوجوب في محله.
وهذا القول يوافق الأول في الحكم، وإنما خالفه في السبيل؛ لأن الأول يقول: هما قولان أصليان، والثاني يقول: هما مبنيان.
وقال أبو إسحاق: بل المسألتان على ظاهرهما، فيجب على السيد، ولا يجب على الحرة الموسرة؛ لأن الحرة يجب عليها تسليم نفسها ليلًا ونهارًا، فانتقلت فطرتها عنها بغير اختيارها، والسيد لا يجب عليه تسليم الأمة ليلًا ونهارًا، وإنما يجب عليه بالليل لا غير، ولا يجب على الزوج نفقتها ولا فطرتها، فإذا تطوع السيد بتسليمها ليلًا ونهارًا.. لم يسقط عنه ما وجب عليه من النفقة والفطرة بذلك.

.[مسألة: وقت دفع الفطرة]

ومتى تجب زكاة الفطر؟ فيه قولان مشهوران:
أحدهما: قاله في القديم -: (أنها تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر). وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وأبو ثور، وهي إحدى الروايتين عن مالك رحمة الله عليه؛
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم». وأراد به: يوم الفطر، فدل على أنه وقت الوجوب.
ولما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنه قال: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر من رمضان». والفطر منه يكون يوم الفطر.
ولأنه حق يتعلق بمال مخرج في يوم عيد، فتعلق باليوم، كالأضحية.
والثاني: قال في الجديد: (يجب بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان). وبه قال الثوري، وأحمد، وإسحاق، وهو الرواية الأخرى عن مالك رحمة الله عليه؛ لما روى ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث». فينبغي أن يجب ذلك على من أدرك جزءا من الصوم، ولما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنه قال: «فرض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر من رمضان». والفطر منه إذا غابت الشمس من آخر يوم منه.
وحكى المسعودي في ["الإبانة" ق \ 115] قولا ثالثا غريبا: أنه لا تجب إلا بغروب الشمس، وبطلوع الفجر من يوم الفطر. وقال بعض أصحاب مالك: لا تجب إلا بطلوع الشمس من يوم الفطر. وهذا ليس بشيء؛ لما ذكرناه للقولين.
فإن تزوج امرأة أو رزق ولدا، أو اشترى رقيقا، فغربت الشمس ليلة الفطر، وهم عنده.. وجبت عليه زكاة فطرهم على القول الجديد.
وإن لم يطلع الفجر وهم عنده، فإن قلنا بقوله القديم.. لم يجب عليه زكاة فطرهم إلا إذا طلع الفجر، وهم عنده وإن لم يكونوا عنده عند غروب الشمس. وإن قلنا بالقول الثالث.. لم تجب عليه زكاة فطرهم، حتى تغرب الشمس ليلة الفطر، ويطلع الفجر من يوم الفطر وهم عنده.
وإن دخل عليه الوقت، وهم عنده، فماتوا قبل أن يتمكن من أداء الزكاة عنهم.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا تجب عليه زكاة فطرهم، كما لا تجب عليه زكاة المال إذا هلك المال قبل التمكن من أداء زكاته.
والثاني: يجب عليه، كما لو ظاهر من امرأته، ووجبت عليه الكفارة، ثم ماتت قبل أن يتمكن من تحصيل الرقبة، فإنها لا تسقط عنه.

.[فرع: تعجيل زكاة الفطر]

ويجوز تقديم زكاة الفطر من أول شهر رمضان، ولا يجوز إخراجها قبل دخول شهر رمضان.
وقال أبو حنيفة: (يجوز).
وقال أحمد: (يجوز إخراجها قبل يوم الفطر بيوم أو يومين، ولا يجوز قبل ذلك).
دليلنا: أن الزكاة تتعلق بسببين: الصوم، والإفطار في آخر الشهر، فإذا وجد أحدهما.. جاز تقديمها على الآخر، ولا يجوز قبلهما، كزكاة المال: كما لو أراد أن يخرج زكاة المال قبل أن يملك النصاب.
والمستحب: أن يخرجها يوم العيد قبل الصلاة؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بزكاة الفطر أن تخرج قبل خروج الناس إلى الصلاة».
فإن أخرجها بعد الصلاة يوم العيد وقبل خروج يوم الفطر.. لم يأثم، وإن أخرها عن يوم الفطر.. أثم بذلك، وإذا أخرجها بعد ذلك.. أجزأه.
وحُكي عن ابن سيرين، والنخعي: أنهما كانا يرخصان في تأخيرها عن يوم الفطر.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم».
وروى ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة.. فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة.. فهي صدقة من الصدقات». فدل على ما قلناه.

.[مسألة: مات بعد إهلال شوال]

وإذا مات رجل، وخلف عبدًا، ولا دين عليه:
فإن مات بعدما أهل شوال.. فإن زكاة فطرهما قد وجبت على السيد، فإن أخرجها الورثة من غيره، أو من أموالهم.. استقر ملكهم على العبد، وإلا بيع جزء من العبد، وأخرجت منه زكاة الفطر. وإن تعذر ذلك.. بيع جميعه، وأُديت زكاة فطرهما منه، وقسم باقي الثمن بين الورثة.
وإن مات بعدما أهل شوال، وعليه دين، وله مال سوى العبد.. فإن فطرة السيد، وفطرة العبد، والدين قد وجبت في ذمة السيد.
فإن اتسع المال للجميع.. قضى الجميع، وإن ضاق المال.. فإن فطرة السيد، والدين على ثلاثة أقوال:
أحدها: تقدم الفطرة؛ لأنها دين لله، فكان أحق بالتقديم.
والثاني: يقدم الدين؛ لأنه دين للآدمي، وهو شحيح.
والثالث: أنهما سواء؛ لتساويهما في الوجوب.
وأما فطرة العبد والدين: ففيهما طريقان:
الأول: من أصحابنا من قال: هي كفطرة السيد مع الدين، على هذه الأقوال الثلاثة.
والثاني: من أصحابنا من قال: تقدم فطرة العبد على الدين، قولًا واحدًا؛ لأنها تتعلق بالعين، والدين متعلق بالذمة.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا غلط؛ لأن فطرة العبد لا تتعلق أيضاُ بالعين، وإنما هي بالذمة.
فإن مات السيد قبل أن يهل شوال، وعليه دين:
فإن قلنا: إن الدين لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة، وهو المذهب.. فإن فطرة العبد تجب على الورثة؛ لأنه ملك لهم، وكونه كالمرهون بالدين لا يمنع وجوب الفطرة، كما لو كان له عبد مرهون.
وإن قلنا بقول أبي سعيد الإصطخري، وأن الدين يمنع انتقال الملك إلى الورثة. ففيه وجهان:
الأول: قال الشيخ أبو حامد: لا تجب زكاة فطرة العبد على أحد؛ لأن الميت لا يجب عليه شيء، ولا تملكه الورثة.
والثاني: قال القاضي أبو الطيب: تجب زكاة فطره في تركة الميت؛ لأنه باق على ملكه.